لطالما كانت المساجد رمزًا للإيمان والروحانية، لكن ماذا لو أمكن تحويلها أيضا إلى مصدر لحل أزمة الكهرباء وتوليد الطاقة الكهربائية في مصر؟ تخيل مآذن المساجد وهي تُساهم في توفير الطاقة الكهربائية بالإضافة إلى كونها أحد رموز الدعوة الإسلامية.
لذلك في هذا المقال سنوضح وضع الطاقة الكهربائية في مصر وكيف يمكن لفكرة تحويل مآذن المساجد إلى مداخن شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية أن تكون حلا لتوفير الطاقة.
توليد الطاقة الكهربائية وأزمة انقطاع الكهرباء في مصر
على الرغم من امتلاك قطاع الكهرباء في مصر قدرات ضخمة تقترب من 60 ألف ميغاواط، تعاني البلاد من موجة انقطاعات للتيار منذ بداية الصيف الماضي، دون تحديد موعد لانتهاء الأزمة.
ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة الكهربائية. حيث يشكل الوقود الأحفوري أكثر من 89% من قدرات إنتاج محطات الكهرباء، بينما لا تتجاوز قدرات الطاقة المتجددة المركبة 11% فقط.
يُضاف إلى ذلك تراجع إمدادات الوقود إلى المحطات، وسط خطط القاهرة لإعطاء الأولوية لصادرات الغاز إلى الخارج. كما تنتج مصر حاليًا ما لا يتجاوز 35 ألف ميغاواط من الكهرباء، وهذا لا يلبي احتياجات البلاد المتزايدة.
تسعى الحكومة المصرية إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري لتحقيق الاستدامة في قطاع الكهرباء. ويعد ذلك ضروريًا لمعالجة أزمة انقطاعات التيار المتكررة،وتوفير طاقة نظيفة ومستدامة للمواطنين.
خطط تطويرية لقطاع الكهرباء في مصر
تسعى مصر جاهدة لتطوير قطاع الكهرباء من خلال زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وتشمل خطط التطوير الرئيسية ما يلي:
تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي: فقد وقعت الشركة القابضة لكهرباء مصر مذكرة تفاهم مع شركة “سيمنس إنرجي” لتشغيل محطة توليد كهرباء البرلس بخليط من الغاز الطبيعي والهيدروجين، يهدف ذلك إلى خفض استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة 25%، وتوفير كميات أكبر للتصدير وتحقيق عائدات مالية إضافية للدولة.
زيادة حصة الطاقة المتجددة: حيث تركز الحكومة على زيادة القدرة المركبة لمحطات توليد الطاقة الكهربائية من الرياح مع إلحاق محطات جديدة للعمل خلال عام 2023. كما تشجع على التوسع في استخدام الطاقة الشمسية كمصدر متجدد ومستدام للطاقة.
وقد تساهم هذه الخطط التطويرية في تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي مما يساعد على توفير احتياجاته للاستخدامات الأخرى مثل الصناعة والتدفئة المنزلية، كما يمكن تصدير الفائض من الغاز الطبيعي بعد خفض استهلاكه في توليد الكهرباء، مما يساهم في توفير العملة الأجنبية للدولة وتعزيز الاقتصاد.
وقد تساهم الطاقة المتجددة في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يشارك في مكافحة تغير المناخ وتحسين جودة الهواء، كما يساهم قطاع الطاقة المتجددة في خلق فرص عمل جديدة في مجالات التصنيع والتركيب والصيانة، ويساهم في ضمان أمن الطاقة على المدى الطويل.
اقرأ أيضا: فرص الاستثمار في الطاقة المتجددة في السعودية وفقاً لرؤية المملكة 2030.
هل يمكن للمساجد أن تكون مصدر توليد الطاقة الكهربائية؟
هذا ما سعى إليه الدكتور هشام حسن، مدرس الهندسة المعمارية بجامعة المنصورة، من خلال إجراء دراسة تجريبية أثبتت إمكانية إعادة استخدام مآذن المساجد كمداخن شمسية لتسهيل التهوية الطبيعية وتوليد الطاقة الكهربائية.
كيف تعمل فكرة توليد الطاقة الكهربائية من المآذن؟
التهوية الطبيعية: ستعمل المداخن الشمسية على تحسين التهوية الطبيعية داخل المساجد، مما يقلّل من الحاجة إلى استخدام أنظمة التكييف المكلفة.
توليد الطاقة الكهربائية: سيتم تركيب توربينات هوائية داخل المداخن الشمسية لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية، مما يُساهم في توفير الطاقة للمساجد.
اعتمادًا على هذه الفكرة قام كلًا من الدكتور حسن وزميله الدكتور محمود الدسوقي بإجراء الدراسة على نماذج مصنعة (ماكيتات) لمآذن المساجد، حيث تم تركيب توربينات هوائية داخلها لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية. وقد أثبتت التجارب نجاح الفكرة، مما يفتح المجال أمام إمكانية تطبيقها على أرض الواقع.
وبعد ذلك نشر الدكتور حسن وزميله الدكتور محمود الدسوقي نتائج دراستهم في مجلة “Scientific Reports” المرموقة، مشيرين إلى أن هذه الفكرة يمكن أن تساهم في حل مشكلة نقص الطاقة، خاصة في المناطق ذات المناخ الحار والجاف مثل مصر.
يمكنك الإطلاع على هذه الدراسة من هنا.
فوائد تحويل المآذن لمداخن شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية
- توفير الطاقة:
يمكن لمآذن المساجد أن تكون مواقع مثالية لتركيب مداخن شمسية، وذلك لأنها طويلة وواسعة ومعرضة لأشعة الشمس.
كما يمكن لهذه المداخن الشمسية تحويل طاقة الشمس إلى حرارة قابلة للاستخدام، مما يساعد ذلك على تقليل الاعتماد على الوقود لتسخين الماء وتوفير التدفئة والتبريد للمساجد والمباني المجاورة.
- تقليل الانبعاثات الكربونية:
من خلال استبدال الوقود بالطاقة الشمسية، فقد يمكن لمآذن المساجد المساهمة في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يساعد ذلك على مكافحة تغير المناخ.
وقد تعد المساجد واحدة من أكبر المستهلكين للطاقة في بعض البلدان، وبالتالي يمكن أن يكون لتحويل مآذنها إلى مداخن شمسية تأثير إيجابي كبير على البيئة.
- تعزيز الاستدامة:
تعد الطاقة الشمسية مصدرًا متجددًا للطاقة، مما يعني أنها لا تفنى ولا تستنفذ.
فمن خلال استخدام الطاقة الشمسية، يمكن للمساجد تقليل اعتمادها على الموارد الطبيعية المحدودة وتعزيز ممارساتها المستدامة.
- خلق فرص عمل:
إذ يمكن أن يساهم تركيب وصيانة مداخن الطاقة الشمسية في خلق فرص عمل جديدة في المجتمعات المحلية.
- تحفيز الابتكار:
يمكن أن يشجع تحويل مآذن المساجد إلى مداخن شمسية على الابتكار في مجال الطاقة الشمسية وتطوير تقنيات جديدة أكثر كفاءة.
اقرأ أيضا: أدنوك عملاق الطاقة في الامارات.
التحديات المحتملة لتحويل مآذن المساجد إلى مداخن شمسية
- التكلفة:
قد تكون تكلفة تركيب مداخن الطاقة الشمسية مرتفعة في البداية.
تتضمن التكاليف شراء المعدات وتركيبها، بالإضافة إلى أي تغييرات هيكلية قد تكون ضرورية على مئذنة المسجد.
لذلك قد يكون من الصعب على بعض المساجد تحمل هذه التكاليف، خاصةً في البلدان النامية.
- التغييرات الهيكلية:
قد تكون هناك حاجة ماسة إلى إجراء تغييرات على بنية مئذنة المسجد لتركيب المدخنة.
قد تتضمن هذه التغييرات تقوية المئذنة أو إضافة منصات أو دعامات جديدة.
فمن الممكن أن تكون هذه التغييرات مكلفة وصعبة التنفيذ، خاصةً بالنسبة للمآذن القديمة أو الهشة.
- الصيانة:
تتطلب مداخن الطاقة الشمسية صيانة منتظمة لضمان عملها بشكل صحيح.
قد تشمل الصيانة تنظيف المدخنة وإصلاح أي أضرار قد تحدث لها.
لذلك قد تحتاج المساجد إلى تدريب موظفيها على كيفية صيانة المدخنة، أو قد تضطر إلى توظيف مقاولين متخصصين للقيام بذلك.
- القبول المجتمعي:
قد لا يرحب بعض أفراد المجتمع بفكرة تحويل مآذن المساجد إلى مداخن شمسية.
قد يعتقد البعض أنها تفسد المظهر الجمالي للمسجد أو تغير من طابعه الديني المعروف.
لذلك من المهم إشراك المجتمع في عملية صنع القرار وإقناعه بفوائد هذه المبادرة.
- كفاءة الطاقة:
قد لا تكون مداخن الطاقة الشمسية فعالة بنفس القدر في جميع المناطق.
ففي المناطق ذات الطقس الغائم أو الممطر، قد لا تنتج المدخنة طاقة كافية لتلبية احتياجات المسجد.
قد تحتاج المساجد إلى استخدام مصادر طاقة أخرى بالإضافة إلى الطاقة الشمسية لتلبية احتياجاتها في هذه الظروف.
على الرغم من هذه التحديات، فإن الفوائد المحتملة لتحويل مآذن المساجد إلى مداخن شمسية كبيرة، لذلك يمكن لهذه المبادرة أن تساهم في توفير الطاقة، وتوليد الطاقة الكهربائية
ولكن من المهم تقييم هذه التحديات بعناية قبل اتخاذ قرار بشأن تركيب مداخن الطاقة الشمسية على مئذنة المسجد، فقد يمكن للمساجد التغلب على هذه التحديات من خلال البحث عن تمويل مناسب، والتعاون مع المتخصصين في مجال الطاقة الشمسية، وإشراك المجتمع في عملية صنع القرار.
اترك رد