التجربة اليابانية أطروحة لنهضة شكلت تساؤلات كثيرة كيف قامت من حطام حرب اهلية واخري عالمية، نهضة تمتلك من الخصوصية المدهشة التي لم تتأثر بنظائرها من الثقافات الغربية، بل انتقت ما يناسبها ويؤكد علي الهوية اليابانية. فكيف نجح اليابانيون وفشل العرب؟
إرهاصات النهضة اليابانية
النهضة اليابانية لم تأتي محض صدفة ولكن كانت نتيجة تطورات اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية وحضارية شهدتها اليابان.
فكانت البداية منذ القرن السابع في مرحلة الاسرة توكوغاوا حيث شهدت تطوراً اقتصادياً كبيراً لعب السلم دوراً حاسما في ذلك التطور حيث نعمت اليابان بأمن واستقرار دام لقرنين ونصف قرن بعدما كانت تغوص في اهوال حرب أهلية دامت قرناً من الزمن.
كما شهدت تلك الفترة توسعاً في القراءة والكتابة والمسارح وانشاء مدن جديدة وظهور مصطلح “تشونين” القريب من البرجوازية الذي يفسر ازدهار ثقافي ملحوظ.
كان التعليم ارتكازاً علي التعاليم الكونفوشيوسية، وفي منتصف القرن الثامن عشر دعا الي التركيز علي الثقافة المحلية والقومية اليابانية.
جدلية الانفتاح والانغلاق في الثقافة اليابانية
تفاعل البيئة والانسان خلق ملامح الشخصية اليابانية، حيث التجانس الثقافي والديني وذلك جمعتهم لغو واحدة منفردة ومعتقد ديني واحد وهو تقديس الامبرطور.
لم يكن اليابانيون مقلدون بل انتقوا ما يناسب اصالتهم، واعادوا صبغة ما نقلوه من رموز كتابة ونظم الادراة والحكم والفنون والعمارة بصبغة يابانية.
دور العزلة الطوعية في نهضة اليابان
كان قرار العزلة حفاظاً علي الهوية اليابانية من التدخل الغربي الذي بدأ في مطلع القرن السابع عشر من قبل المبشرين المسيحيون.
تمثلت العزلة في منع الارساليات الاجنبية ومنع تصدير الاسلحة الي الخارج، ومنعت الديانة المسيحية نهائياً وايضا منعت ترجمة النصوص الاجنبية من والي اليابانية.
وكانت النتيجة تطور الوحدة السياسية والقومية والثقافية اليابانية، حيث النزعة الي السلطة المركزية، والتركيز علي بناء الامساء عوضاً علي نقص الموارد الطبيعية.
أسس النهضة اليابانية | ثورة الاصلاحات في عهد الميجي
انذراً بفتح الموانئ اليابانية امام الملاحة الدولية من قبل امريكا، جبر اليابان الخروج من عزلتها، وانهاء حكم توجوغاوا سلمياً ليبدأ الالتفات حول الإمبراطور الميجي.
من أهم ملامح عهد الميجي المساواة بين الجميع، ادخال الدستور القومي، فرض التعليم الاجباري، رافق تشيداً للجامعات وانشاء قانونا للصحافة واخر لتنظيم الجمعيات.
اصدار وثيقة أوات الخمسة التي نصت بتأسيس مجلس تمثيلي وضمان حرية الرأي والغاء التقاليد الطبيعية وتنشيط العمل الثقافي.
كان شعار المرحلة ” التكنيك غربي والروح يابانية”، حيث ظهر مصطلح ” الكوكوتاي” وهي الامة والعائلة والدولة والإمبراطور هو رمز وحدة اليابانيين.
التجربة اليابانية : المعرفة أساس النهضة والتحرر
الجاني المعرفي في البناء الحضاري احد مرتكزات نهضة اليابان، انتشار القراءة والمعرفة حيث قامت اليابان بطباعة 3000 نسخة من كتاب يتحدث عن انتاج الحرير الخام فازدهرت الزراعة.
اقبال المزراعين الاثرياء علي التعليم، تبادل المثقفين ندوات القراءة والقاء الخطب حول الاداب والعلوم، ايضا ترجمة الكتب الي اليابانية وارسال البعثات الي الخارج.
فكان جوهر التجربة اليابانية هو الارتكاز علي الانسان.
الثقافة والقيم في معركة النهوض
نهضت اليابان علي اساس شروط منها انسجام التنمية مع المناخ الثقافي امر حيوي، فلم يسلم فكره للمسلمات الغربية ولكن استعمالها وتوظيفها بما يناسب القيم الثقافية وليس محوها او استبدلها بقيم دخيلة.
ففي نظام المنتجين يكون الهدف قوة العمل الاثر انتاجية وتكون الاجور عالية مادامت الانتاجية عالية، علي عكس النظام الامريكي المصمم علي الاداء الفردي، كما يرتبط المكافآت في النظام الياباني علي تحقيق نمو الشركات وانتاجيتها وليس علي الربحية.
حرصت اليابان علي التطوير التكنولوجي والاقتصادي وفي نفس الوقت حصنت شعبها ضد التفكك القيمي، فكان تحصين الهوية اليابانية والمحاظة علي الروح القومية للشعب الياباني.
افاق التفكير في النموذج النهضوي
الازمة الحضارية لعالمنا العربي تتمثل في الحشو الفوضوي والنقل السطحي دون نقد وتحليل لما ينقل. دون سؤال هل يناسبنا ؟ هل يتماشي مع ثقافتنا وهويتنا العربية؟!.
ويعد نموذج الثقافة الاستهلاكية اكبر عائق في وجه النهضة العربية والتي غالباً يتم فرضها من الخارج بسحر الشاشة وقوة التسويق.
فللحداثة شروط وهي التطبيق الداخلي لا الاستيراد والتجديد لا التقليد والذي لا يستوفي في العالم العربي، خلق ازمة حضارية تجلت في التخلف الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي.
فالقضية اكثر عمقاً من كونها انجازات وانما تحول فكر المجتمع. وذلك الذي يوضحه سلمان بونعمان في كتابه التجربة اليابانية دراسة في أسس النموذج المهضوي، فالنظرة العربية للعالم يجب ان تكون متسقة مع ذاتها حتي يحدث التقدم فالنهضة وعي ذاتي من خلال ادراك الهوية.
اترك رد