اليزابيث هولمز

اليزابيث هولمز: من أصغر مليارديرة عصامية إلى السجن

“فن أن تكون مرة مغامرًا ومرة حذرًا هو فن النجاح.” أو هكذا يقال، لكن اليزابيث هولمز والتي سنتحدث عنها في هذا المقال قامت بالمغامرة فقط دون أخذ الحذر ،

لذلك انتهى بها المطاف إلى السجن بعد أن صنفتها مجلة فوربس عام 2015 كأصغر مليارديرة عصامية بثروة قدرها 4.5 مليار دولار، إذًا فمن هي اليزابيث هولمز؟

اليزابيث هولمز:

ولدت اليزابيث هولمز في الثالث من شهر فبراير عام 1984 في مدينة واشنطن, لأسرة عريقة حيث كان يعمل والدها في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أما والدتها فكنت عضوة بالكونجرس الأمريكي، وجدها لأبيها كان المدير و المؤسس لشركة “فليشمان” للخميرة.

درست وتخرجت هولمز من مدرسة St. John’s School في هيوستن، ثم التحقت بجامعة ستانفورد بقسم الهندسة الكيميائية، إلا أنها تركتها في عمر 19 بهدف متابعة طموحاتها في ريادة الأعمال.

ولم تخيب اليزابيث هولمز التوقعات حينها، حيث مضت في متابعة حلمها فقامت بتأسيس شركة Theranos في عام 2003، وكانت تطمح هولمز أن تقوم هذه الشركة بإحداث ثورة في مجال الرعاية الصحية.

واشتهرت إليزابيث هولمز منذ صغرها بطموحها القوي، فعندما كانت في سن السابعة من العمر حاولت تصميم آلة للزمن، حيث وضعت لها رسومات هندسية تفصيلية،

وفي سن التاسعة، أخبرت أسرتها بأنها تريد أن تصبح مليارديرة ورائدة أعمال، كما لمعت هولمز كطالبة نابغة،

وعندما كانت في الثانوية طوّرت وباعت برنامجًا خاصًا يقوم بترجمة أكواد الحاسوب إلى المدارس الصينية، وفق “بيزنس إنسايدر”.

كما لقبتها وسائل إعلام أمريكية في فترة صعودها بخليفة ستيف جوبز

تأسيس شركة ثيرانوس وبداية الشهرة:

اليزابيث هولمز

عرضت اليزابيث هولمز فكرة الشركة على أستاذها روبنسون في خريف عام 2003، وكانت هولمز تبلغ من العمر حينها 19 عامًا فقط.

هذه الفكرة تقوم على تطوير جهاز يستطيع إجراء مجموعة كبيرة من الفحوصات الطبية، وذلك عبر قطرات من الدم فقط.

استخدمت هولمز المال الذي خصصه والداها لدراستها الجامعية في تأسيس الشركة، التي سميت فيما بعد باسم “Theranos” بالعربية  ثيرانوس، التسمية جاءت من الدمج بين كلمتي ‘therapy’ أي العلاج و ‘diagnosis’ أي التشخيص.

بدأت الشركة باكتساب الثقة سريعًا بعد تأسيسها، وعلى الرغم من أن شركة “ثيرانوس”لم تطرح أسهمها في بورصات الأسهم، إلا أنها حصلت على التمويل من الكثير من المستثمرين وكبار رجال السياسة والأعمال، أمثال جورج شولتز وزير الخزانة السابق، و عائلة والتون، ومؤسس “أوراكل” لاري إليسون.

 وبحلول نهاية عام 2010، كان لدى شركة ثيرانوس أكثر من 92 مليون دولار في رأس المال الاستثماري.

كما تم الاعتراف بهولمز لتشكيل «المجلس الأكثر لمعانًا في تاريخ الشركات الأمريكية» على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

حافظت اليزابيث هولمز على  شركة ثيرانوس بعيدًا عن الإعلام، فمنذ بدء تأسيسها وحتى عام 2013 كانت الشركة لاتمتلك موقعًا إلكترونيًا ولا تدلي بأي معلومات للصحافة.

لكن وعندما ظهرت هولمز على أغلفة مجلات fortune  وفوربس وThe New York Times Style Magazine  إزداد اهتمام وسائل الإعلام بها.

اقرأ أيضًا:

بيل كامبل: من مدرب كرة القدم إلى تدريب القيادات.

من القمة إلى الإنهيار:

أثار تحقيق أجرته مجلة وول ستريت (Wall street) عام 2015، تساؤلات كثيرة حول مصداقية التقنيات التي تستخدمها شركة Theranos.

وشاع عن الشركة أن تحليلاتها غير دقيقة، مما جعلها موضع بحث وسؤال من قبل بعض الوكالات المتخصصة، ومما عزز هذه الشكوك هو معرفة أن مدخول الشركة سنويًا لا يتجاوز الـ 100 مليون دولار.

عندئذ قامت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية بالتحقيق في ملف الشركة، واتضح وجود الكثير من الأخطاء في نتائج اختبارات المرضى،

كما أظهر الفحص الدقيق أن التكنولوجيا التي تدعي شركة ثيرانوس استخدامها هي تقنيات مبالغ فيها وبعيدة كل البعد عن أن تكون حقيقية! 

 كل ما سبق دفع مجلة “فوربس” الأمريكية إلى إصدار تقييم جديد للشركة لكن هذه المرة كان التقييم منخفض وذلك بناءًا على القيمة  الحقيقية للشركة.

كما تضمنت التقارير التي قدمتها مجلة فوربس على محادثات مع عدد من الخبراء والمحللين الماليين، حيث أكد الخبراء أن قيمة شركة ثيرانوس تصل إلى 800 مليون دولار، لكن في حال دفعت الشركة لأصحاب الأسهم مستحقاتهم فإن ماسيبقى عمليًا من قيمة الشركة هو لاشيء.

وكنتيجة لذلك انهارت شركة “ثيرانوس” عام 2018، بعد هذه التحقيقات ما حرّك الدعاوى القضائية ضدها، 

و تدخلت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية سريعًا ووجهت عام 2018 تهمة “الاحتيال واسع النطاق” لكل من اليزابيث هولمز ورئيس الشركة السابق راميش صني بالواني.

محاكمة اليزابيث هولمز:

قالت إليزابيث هولمز مدافعة عن نفسها أمام المحكمة، أنها تشعر بألم عميق حيال المستثمرين الذين ضللتهم شركة Theranos.

فريق الدفاع الخاص بهولمز وصفها بأنها رائدة أعمال ذات نية حسنة، سعت بإيمانها القوي لتحقيق من أجل تحقيق حلمها، لكنها عندما شعرت أن الشركة تنهار، لم تحاول التنصل من مسؤولياتها.

وأصدرت المحكمة حكمها على هولمز في يناير/كانون الثاني من عام 2022 بعد محاكمة استمرت ثلاثة أشهر.

حيث حُكم عليها، بالسجن لأكثر من 11 عامًا بتهمة الاحتيال على المستثمرين في شركتها الناشئة لفحص الدم،

لكن المحامون اعتبروا الحكم مبالغ فيه، وأن الحكم على اليزابيث بالإقامة الجبرية لمدة 18 شهرًا، مع الالتزام بالخدمة المجتمعية كان مناسبًا أكثر.

وفي نهاية أيار مايو من العام الجاري 2023 قامت هولمز و بالواني بتسليم نفسهما لقضاء الحكم الصادر بحقهما. 

السؤال الذي يمكننا طرحه هنا هو …كيف استطاعت اليزابيث هولمز الاحتيال على المستثمرين؟

الإجابة تكمن بما يسمى “فشل الحوكمة” حيث أن حوكمة الشركات تُختصر بالقواعد والضوابط لنجاح الشركة، وتتضمن هذه القواعد قيام المدراء والإدارات العليا باتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة العامة والمساهمين.


في حالة شركة ثيرانوس Theranos فإن مجلس إدارة الشركة لم تكن لديه أي خلفية علمية في مجال الرعاية الصحية، فالأفراد في المجلس تم اختيارهم بناءًا على معرفتهم بطرق تأمين الاتصالات الحكومية وتسريع الموافقات اللازمة لعمل الشركة، 


وكان هذا المجلس يتكون من 12 عضوًا، إثنان منهم عبارة عن وزيري دولة سابقين واثنين كانا من أعضاء مجلس الشيوخ السابقين وبالإضافة إلى العديد من الضباط العسكريين السابقين رفيعي المستوى.

فنلاحظ أن أعضاء المجلس جميعًا لم تكن لديهم المعلومات الكافية حول التقنيات العلمية المستخدمة في الشركة، إنما تم اختيارهم من أجل تسهيل أعمال الشركة.

ورغم تغيير الشركة لمجلس إدارتها لاحقًا والاستعانة ببعض المستشارين الطبيين إلا أن التغيير أتى متأخرًا وكان قد فات الأوان بالفعل.

في النهاية، نحب أن ننوه أن اليزابيث هولمز ليست أول رائد أعمال تمتلك هذا القدر من الحماس ولن تكون حتمًا الأخيرة، حيث أن طرح رواد الأعمال الشباب لأفكار عبقرية قد يترجم في بعض الأحيان إلى مشروع ناجح حقيقي، لكن شتان بين طرح فكرة والإيمان بها بناءًا على أساسيات علمية حقيقية، وبين استغلال الأفكار المستقبلية لخداع المستثمرين والعالم.